فصل: الشاهد الثامن والسبعون بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن بيعة بلنسية ومرسية وأهل شرق الأندلس ووفدهم.

لما استقل أبو جميل زيان بن أبي الحملات مدافع بن أبي الحجاج بن سعد بن مردنيش بملك بلنسية وغلب عليها السيد أبا زيد بن السيد أبي حفص وذلك عند خمود ريح بني عبد المؤمن بالأندلس وخروج ابن هود على المأمون ثم فتنته هو مع ابن هود وثورة ابن الأحمر بأرجونة واضطراب الأندلس بالفتنة وأسف الطاغية إلى ثغور الأندلس من كل جانب وزحف ملك أرغون إلى بلنسية فحاصرها وكانت للعدو سنة ثلاث وثلاثين وستمائة سبع محلات لحصار المسلمين:
اثنتان منها على بلنسية وجزيرة شقر وشاطبة ومحلة بجيان ومحلة بطبيرة ومحلة بمرسية ومحلة بلبلة وأهل جنوة من وراء ذلك على سبتة.
ثم تملك طاغية قشتالة مدينة قرطبة وظفر طاغية أرغون بالكثير من حصون بلنسية والجزيرة وبنى حصن أنيشة لحصار بلنسية وأنزل بها عسكره وانصرف فاعتزم زيان بن مردنيش على غزو من بقي بها من عسكره واستنفر أهل شاطبة وشقر وزحف إليهم فانكشف المسلمون وأصيب كثير منهم واستشهد أبو الربيع بن سالم شخ المحدثين بالأندلس وكان يوما عظيما وعنوانا على أخذ بلنسية ظاهرا ثم ترددت عليها سرايا العدو ثم زحف إليها طاغية أرغون في رمضان سنة خمس وثلاثين وستمائة فحاصرها واستبلغ في نكايتها وكان بنو عبد المؤمن بمراكش قد فشل ريحهم وظهر أمر بني أبي حفص بأفريقية فأمل ابن مردنيش وأهل شرق الأندلس الأمير أبا زكرياء للكرة وبعثوا إليه بيعتهم وأوفد عليه ابن مردنيش كاتبه الفقيه أبا عبد الله بن الأبار صريخا فوفد وأدى بيعتهم في يوم مشهود بالحضرة وأنشد في ذلك المحفل قصيدته على روي السين يستصرخه فيها للمسلمين وهي هذه:
أدراك بخيلك خيل الله أندلسا ** إن السبيل إلى منجاتها درسا

وهب لها من عزيز النصر ما التمست ** فلم يزل منك عز النصر ملتمسا

عاش مما تعاينه حشاشتها ** فطالما ذاقت البلوى صباح مسا

يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا ** للنائبات وأمسى جدها تعسا

في كل شارقة إلمام بائقة ** يعود ماتمها عند العدا عرسا

وكل غاربة إجحاف نائبة ** تثني الأمان حذارا والسرور أسا

نقاسم الروم لا نالت مقاسمهم ** إلا عقائلها المحجوبة الأنسا

وفي بلنسية منها وقرطبة ** ما يذهب النفس أو ما ينزف النفسا

مدائن حلها الإشراك مبتسما ** جذلان وارتحل الإيمان منبئسا

وصيرتها العوادي عائثات بها ** يستوحش الطرف منها ضعف ما أنسا

ما للمساجد عادت للعدى بيعا ** وللنداء يرى أثناءها جرسا

لهفا عليها إلى استرجاع فائتها ** مدارسا للمثاني أصبحت درسا

وأربعا غنمت أيدي الربيع بها ** ما شئت من خلع موشية وكسا

كانت حدائق للأحداق مونقة ** فصوح النصر من أدواحها وعسا

وحال ما حولها من منظر عجب ** يستوقف الركب أو يستركب الجلسا

سرعان ما عاث جيش الكفر واحربا ** عيث الدبا في مغانيها التي كبسا

وابتز بزتها مما تحيفها ** تحيف الأسد الضاري لما افترسا

فأين عيش جنيناه بها خضرا ** وأين غصن جنيناه بها سلسا

محا محاسنها طاغ أتيح لها ** ما نام عن هضمها حينا وما نعسا

ورج أرجاءها لما أحاط بها ** فغادر الشم من أعلامها خنسا

خلا له الجو وامتدت يداه إلى ** إدراك ما لم تنل رجلاه مختلسا

وأكثر الزعم بالتثليث منفردا ** ولو رأى راية التوحيد ما نبسا

صل حبلها أيها المولى الرحيم فما ** أبقى المراس لها حبلا ولا مرسا

وأحي ما طمست منها العداة كما ** أحييت من دعوة المهدي ما طمسا

أيام صرت لنصر الحق مستبقا ** وبت من نور ذاك الهدي مقتبسا

وقمت فيها لأمر الله منتصرا ** كالصارم اهتز أو كالعارض انبجسا

تمحو الذي كتب التجسيم من ظلم ** والصبح ماحية أنواره الغلسا

هذي رسائلها تدعوك من كتب ** وأنت أفضل مرجو لمن يئسا

وافتك جارية بالنجح راجية ** منك الأمير الرضى والسيد الندسا

خاضت خضارة يعلوها ويخفضها ** عبابه فتعاني اللين والشرسا

وربما سبحت والريح عاتية ** كما طلبت بأقصى شدة الفرسا

تؤم يحيى بن عبد الواحد بن أبي ** حفص مقبلة من تربه القدسا

ملك تقلدت الأملاك طاعته ** دينا ودنيا فغشاها الرضى لبسا

من كل غاد على يمناه مستلما ** وكل صاد إلى نغماه ملتمسا

مؤيد لو رمى نجما لأثبته ** ولو دعا أفقا لبى وما احتسبا

إمارة تحمل المقدار رايتها ** ودولة عزها يستصحب القعسا

يبدي النهار بها من ضوئه شنبا ** ويطلع الليل من ظلمائه لعسا

كأنه البدر والعلياء هالته ** تحف من حوله شهب القنا حرسا

له الثرى والثريا خطتان فلا ** أعز من خطتيه ما سما ورسا

يا أيها الملك المنصور أنت لها ** علياء توسع أعداء الهدى تعسا

وقد تواترت الأنباء أنك من ** يحيى بقتل ملوك الصفر أندلسا

طهر بلادك منهم إنهم نجس ** ولا طهارة ما لم تغسل النجسا

وأوطىء الفيلق الجرار أرضهم ** حتى يطأطىء رأس كل من رأسا

وانصر عبيدا بأقصى شرقها شرقت ** عيونهم أدمعا تهمي زكاء وخسا

هم شيعة الأمر وهي الدار قد نهكت ** داء متى لم تباشر حسمه انتكسا

املأ هنئيا لك التمكين ساحتها ** جردا سلاهب أو خطية دعسا

واضرب لها موعدا بالفتح ترقبه ** لعل يوم الأعادي قد أتى وعسا

فأجاب الأمير أبو زكريا داعيتهم وبعث إليهم أسطوله مشحونا بمدد الطعام والأسلحة والمال مع أبي يحيى بن يحيى بن الشهيد أبي إسحاق بن أبي حفص وكانت قيمة ذلك مائة ألف دينار وجاءهم الأسطول بالمدد وهم في هذا الحصار فنزل بمرسى دانية واستفرغ المدد بها ورجع بالناض إذا لم يخلص إليه من قبل ابن مردنيش من يتسلمه.
واشتد الحصار على أهل بلنسية وعدمت الأقوات وكثر الهلاك من الجوع فوقعت المراودة على إسلام البلد فتسلمها جاقمة ملك أرغون في صفر سنة ست وثلاثين وستمائة وخرج عنها ابن مردنيش إلى جزيرة شقر فأخذ البيعة على أهلها للأمير أبي زكريا ورجع ابن الأبار إلى تونس فنزل على السلطان وصار في جملته وألح العدو على حصار ابن مردنيش بجزيرة شقر وأزعجه عنها إلى دانية فدخلها في رجب من سنته وأخذ عليهم البيعة للأمير أبي زكريا.
ثم داخل أهل مرسية وقد كان بويع بها أبو بكر عزيز بن عبد الملك ابن خطاب في مفتتح السنة فافتتحها عليه في رمضان من سنته وقتله وبعث ببيعتهم إلى الأمير أبي زكريا وانتظمت البلاد الشرقية في طاعته وانقلب وفد ابن مردنيش إليه من تونس بولايته على عمله سنة سبع وثلاثين وستمائة ولم يزل بها إلى أن غلبه ابن هود على مرسية وخرج عنها إلى لقنت الحصون سنة ثمان وثلاثين وستمائة إلى أن أخذها طاغية برشلونة من يده سنة أربع وأربعين وستمائة وأجاز إلى تونس والبقاء لله.